الحل الاممي يمر عبر تفاوض مباشر يضمن حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره
النزاع حول الصحراء الغربية:
ابة السالك
03/05/2007
بلغ النزاع حول الصحراء الربية بين جبهة البوليساريو والمملكة المغربية مرحلة حاسمة و مشجعة في نفس الوقت وقد وصفها البعض بحرب المقترحات، قدم اثناءها طرفا النزاع مقترحيهما لطي هذا الملف بشكل تام ونهائي وعادل وفق قرارات الشرعية الدولية. فمن جهة، عرض المغرب مقترحا يقضي بمنح الصحراويين حكما ذاتيا، فيما اقترحت الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب/ البوليساريو خطة للسلام عبرت فيها عن استعدادها للتفاوض المباشر مع المغرب حول اي حل سياسي وقانوني يتضمن خيار الاستقلال الوطني..
1 ـ مضامين.. ومقترحات:
المملكة المغربية، وبعد حملة دبلوماسية واسعة اطلقتها في جميع قارات العالم، قدمت مقترحا تمنح من خلاله للصحراويين حكما ذاتيا يقضي بتفويت صلاحيات محددة لتسيير شؤونهم الداخلية، شريطة ترك السيادة علي الشؤون الدفاعية والدبلوماسية لحكومة المغرب المركزية. ويتمحور المقترح المغربي حول ثلاث نقاط، هي: سيادة المغرب، الخصائص الاجتماعية والثقافية للمنطقة والمعايير الدولية المتصلة بالحكم الذاتي.
ومن الامور التي ترفضها جبهة البوليساريو في المقترح المغربي، انه:
ـ يستبعد اجراء استفتاء تقرير المصير المتضمن لخيار الاستقلال.
ـ ينطلق من فكرة جاهزة اساسها ان اقليم الصحراء الغربية جزء من التراب المغربي ، ضد ارادة الصحراويين ويحدد مسبقا اختيارهم، وهو ما يتعارض مع مبدأ تقرير المصير بالاختيار الحر والنزيه والديمقراطي.
- مناورة مغربية خطيرة ومقترح هزيل لا يتطابق مع الشرعية الدولية ولوائح الجمعية العامة واحكام محكمة العدل الدولية والقانون الدولي، ما دام يؤكد ان الصحراء الغربية مغربية في تكريس مفضوح للامر الواقع ، كما قال الرئيس الصحراوي محمد عبد العزيز.
ـ يعد حلا احادي الجانب لا يمكن ان يقبل سوي باضافة حل آخر قانوني وشرعي يمنح الشعب الصحراوي الحق في الاختيار بين الاندماج مع المغرب، او الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، او الاستقلال الوطني التام وبناء الدولة الصحراوية الحرة والمستقلة.
وبالموازاة مع المقترح المغربي، قدمت جبهة البوليساريو خطة للسلام وصفت بـ المرنة والبناءة ومفتوحة علي التعاون وحسن الجوار مع المملكة المغربية وكل دول الجوار. تتكون الخطة الصحراوية من ثلاثة فصول تضمن الاول منها موضوعا يَعتبر النزاع حول الصحراء الغربية قضية تصفية استعمار، والثاني يؤكد علي ان الحل يمر عبر اجراء استفتاء تقرير المصير المتضمن لخيار الاستقلال، فيما يبرز الفصل الثالث استعداد الجبهة للتعاون والتفاوض مع المغرب مع الاحتفاظ بتقرير المصير وتعزيز ضمانات (سياسية، امنية، اجتماعية، اقتصادية..) ما بعد الاستفتاء للمغرب وللمقيمين المغاربة في الصحراء الغربية.
وبقراءة سريعة للمقترحين المذكورين، يتضح ان جوهر الخلاف يدور حول السيادة ومفهوم الدولة. فجبهة البوليساريو مستعدة للتنازل والتفاوض حول كل شيء باستثناء مبدأ تقرير المصير المتضمن لخيار الاستقلال عبر اجراء استفتاء حر ونزيه يشرف عليه المنتظم الدولي، والمغرب يقترح منح الصحراويين حكما ذاتيا تحت السيادة المغربية مبتعدا في ذلك عن تقرير المصير.
من ثم، يبرز تباين واضح بين حلين متنافرين وغير منسجمين. احدهما قانوني (الحق في تقرير المصير) والآخر سياسي دون سند قانوني (حكم ذاتي) كان المبعوث الاممي السابق جيمس بيكر قد اوردهما بذكاء في مخططه الثاني المعروف باسم: مخطط السلام من اجل تقرير مصير شعب الصحراء الغربية (وافق عليه مجلس الامن الدولي في قراره 1495 ـ 2003)..
هذا التباين الواضح في المقترحين المغربي والصحراوي قد يشكل جوهر التعثر في المفاوضات المرتقبة، الامر الذي يستدعي التفكير الجيد والجدي في ايجاد سبل حوار انجع ومرن يفضي في النهاية الي الانصاف والعدل.
في ظل هذه الوضعية المركبة ، تدعم مجموعة من المساعي الدولية فكرة اجراء مفاوضات مباشرة بين طرفي النزاع بهدف ايجاد حل عادل وسياسي يضمن للصحراويين ممارسة حقهم في تقرير المصير ويندرج في اطار مبادئ ولوائح الامم المتحدة..
2 ـ الحاجة الي التفاوض..
تعد المفاوضات في القانون الدولي العام من اهم موضوعات الدبلوماسية، بل ان هناك من يعرف الدبلوماسية بكونها فن التفاوض . والمفاوضات من اهم الحلول الدبلوماسية لتسوية المنازعات الدولية، ومن اقدم الوسائل السلمية التي تضع الاطراف المتنازعة وجها لوجه لتسوية النزاع بصورة مباشرة..
ازاء ذلك، عبرت جبهة البوليساريو عن استعدادها المطلق للدخول في مفاوضات مباشرة مع المملكة المغربية تحت رعاية الامم المتحدة وبموافقة مجلس الامن الدولي، علي اساس التوصل الي حل سياسي وقانوني عادل دائم ومقبول من الطرفين ويضمن تقرير مصير الشعب الصحراوي تماشيا مع قرارات الامم المتحدة ذات الصلة، لا سيما قرار الجمعية العامة 1514 المتعلق بمنح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمَرة لاشاعة السلم والاستقرار بالمنطقة.
من ثم، تظل كل من المملكة المغربية وجبهة البوليساريو ـ الطرفان الرئيسيان في النزاع حول الصحراء ـ مدعوتان، اذن، لاجراء تفاوض مباشر حول المشكلة القائمة بينهما والتي تعد من اعقد واقدم القضايا التي ظلت معروضة علي الامم المتحدة منذ عام 1963 بوصفها قضية تصفية استعمار ومسجلة لدي اللجنة الرابعة لتصفية الاستعمار.. هذا المقترح السلمي ـ التفاوض المباشر ـ الذي لقي تشجيعا كبيرا من قبل العديد من الاقطار والهيئات الدولية، يقتضي، بصورة اساسية، توحيد الرؤية حول موضوع التفاوض بكل عناصره ومكوناته وتقديم المزيد من المرونة من لدن هذا الجانب او ذاك علي اساس التوصل الي حل ينسجم مع الشرعية الدولية..
علي هذا المستوي، فاجأت جبهة البوليساريو المنتظم الدولي بخرجة غير مسبوقة وسلمية في تاريخ النزاع حول الصحراء الغربية والمتمثلة في خطة السلام التي تقترحها وتعرض فيها علي المغرب علاقة خاصة تشمل ميادين اقتصادية واجتماعية وامنية شريطة اجراء استفتاء تقرير المصير المتضمن لخيار الاستقلال الوطني. في هذا السياق، عبرت الجبهة عن استعدادها لانجاز مشاريع مشتركة مع المغرب خصوصا في ما يتصل باستغلال موارد وثروات الاقليم من فوسفات ومصائد الاسماك.. وربما النفط.
واذا ما اجريت هذه المفاوضات، فلن تكون الاولي من نوعها التي تتم بين الطرفين المتنازعين، علي اعتبار مجموعة من اللقاءات التفاوضية التي اقيمت سالفا بين المملكة المغربية وجبهة البوليساريو انطلاقا من فجر الثمانينات. ومن ذلك الوساطة التي قام بها الرئيس المالي تراوري عام 1978 بباماكو ولم يكتب لها الاستمرارية..
عقب ذلك بخمس سنوات، استؤنفت هذه المفاوضات بالجزائر لكنها هي الاخري ما لبثت ان توقفت بسبب اتفاقية وجدة المبرمة في 13 آب (اغسطس) 1984 بين المغرب وليبيا والتي تعهد بموجبها معمر القذافي للراحل الحسن الثاني بايقاف دعم بلاده لجبهة البوليساريو مقابل تسليم المغرب افرادا من المعارضة الليبية لنظام القذافي ووقف اي نشاط لهذه المعارضة فوق التراب المغربي. غير ان عام 1982 سيشهد مطالبة منظمة الوحدة الافريقية باجراء مفاوضات مباشرة بين المغرب وجبهة البوليساريو، وهو الامر الذي اقرته الجمعية العامة للامم المتحدة عقب ذلك باربع سنوات (تشرين الاول ـ اكتوبر 1986)..
اضف الي ذلك لقاء لشبونة المنعقد خلال 23 حزيران (يونيو) 1997 ولندن وهيوستن ولقاء برلين الذي تم عام 2000 تحت اشراف جيمس بيكر بحضور الجزائر وموريتانيا..هذا اللقاء الذي فشل في يومه الاول بعد ان قدم ممثل المغرب مقترحا يتعلق باجراء مفاوضات مباشرة دون الحاجة الي وساطة اممية!!..
ومثلما فعل الامين العام السابق للامم المتحدة كوفي عنان في تقريره الصادر بتاريخ 19 نيسان (ابريل) 2006 تحت رقم S/2006/249، فان الامين العام الحالي بان كي مون حث في تقرير مماثل طرفي النزاع جبهة البوليساريو والمغرب ودعاهما الي الدخول في مفاوضات مباشرة بهدف التوصل الي حل وتوافق مشترك يكون مبنيا علي الشرعية الدولية. وقال بان كي مون: اوصي مجلس الامن بمطالبة كافة الاطراف في المغرب وجبهة البوليساريو الدخول في مفاوضات، من دون شروط مسبقة، من اجل التوصل الي حل عادل ودائم ومقبول يضمن تقرير مصير الشعب الصحراوي .. مشددا علي اهمية التزام جميع الاطراف المعنية برفع جميع القيود المفروضة علي حركة المراقبين العسكريين التابعين للامم المتحدة العاملين في الاقليم. . ومضيفا ان الدول المجاورة، الجزائر وموريتانيا مدعوة ايضًا الي المشاركة في هذه المفاوضات والتشاور كل علي حدة حول المسائل التي تخصها بشكل مباشر. كما تضمن التقرير جزءا هاما يتصل بشواغل حقوق الانسان بالصحراء الغربية المنتهكة، متطرقا لتقرير المفوضية السامية لحقوق الانسان التي زارت المنطقة والتي اكد انها لا زالت تتلقي معلومات تفيد بانعدام وجود الضمانات في محاكمة النشطاء الصحراويين واستمرار مظاهرات الصحراويين المطالبة باحترام حقوق الانسان الصحراوي وتقرير المصير..
والواقع انه ليس من مصلحة المغرب اي حل خارج الشرعية، كما لا يخدم مصالح المنطقة كل حل خارج عن اطارها، ان الشرعية والحق هما مصدر الامن والاستقرار بالاقليم.
الآن، وبعد ان اتضحت نوايا ومطالب الطرفين المتنازعين حول الصحراء الغربية المملكة المغربية وجبهة البوليساريو، يظل من المفيد جدا الجمع بينهما وخلق المواءمة الضرورية بينهما بما من شأنه ان يخلق مناخ الامن والاستقرار والرفاهية بالاقليم، وان ذلك لن يتأتي سوي عبر اجراء مفـــــاوضات مبــــــــاشرة برعاية الامم المتحدة واشــــــراف مجـــــــلس الامن الدولي مع ضمـــــان حـــق الشعب الصحراوي الثابت في قول كلمته بحرية وطواعية وتقرير مصيره بنفسه.
ہ كاتب من الصحراء الغربية
No comments:
Post a Comment