Pages

Thursday, August 23, 2007

النزاع حول الصحراء الغربية: ماذا بعد مانهاست؟

النزاع حول الصحراء الغربية: ماذا بعد مانهاست؟ ابراهيم الحَيْسن
24/08/2007
اسدل الستار قبل ايام علي مفاوضات مانهاست الثانية التي جرت بين المملكة المغربية وجبهة البوليزاريو باشراف من السيدين بيتر فان والسوم المبعوث الخاص للصحراء الغربية وجوليان هارستون منسق المينورسو، وذلك يومي الجمعة والسبت 10 و11 آب/اغسطس 2007 بمانهاست في لونج ايلاند/ ضواحي نيويورك. وقد حضر هذه المفاوضات الوفدان الجزائري والموريتاني بصفتهما البلدين المجاورين وجهت لهما الدعوة كملاحظين من طرف الامانة العامة للامم المتحدة. اشرف علي الوفد الجزائري السفير المستشار رمطان لعمامرة، فيما كان علي راس الوفد الموريتاني سيدي محمد ولد بوبكر وزير اول سابق..الي جانب دول مجموعة اصدقاء الصحراء (الولايات المتحدة الامريكية، بريطانيا، فرنسا، روسيا). وكما كان متوقعا، فقد انتهت هذه المفاوضات كما بدات بالتعثر والفشل، الامر الذي حال دون احراز اي تقدم يذكر، وان كان المحفوظ علي بيبا رئيس الوفد الصحراوي (عضو الامانة الوطنية العامة ورئيس البرلمان الصحراوي) وصف هذه المفاوضات بـ المفيدة موضحا في تصريح ادلي به عقب انتهاء المحادثات ان الطرف الصحراوي تعاون بشكل تام مع المبعوث الشخصي للامين العام للامم المتحدة الي الصحراء الغربية، في نقاش خطوات بناء الثقة المطلوبة لخلق جو ايجابي بين الطرفين . ويكمن جوهر الخلاف بين الجانبين المتفاوضين اساسا في مسألة السيادة باهم الاختصاصات التي ترمز اليها. فالمغرب يري بان منح الصحراويين حكما ذاتيا موسّعا كفيل بانهاء النزاع حول الصحراء الغربية، بينما تعتبر جبهة البوليزاريو ان الحل الامثل لا يمرّ سوي عبر اجراء استفتاء حر ونزيه وعام تحت اشراف الامم المتحدة يقرّر من خلاله الصحراويون مصيرهم في دولة مستقلة او الحاق اقليم الصحراء الغربية بالمغرب او منح الاقليم حكما ذاتيا.. فاذا كانت التصريحات المتفائلة التي طبعت الجولة الاولي من المفاوضات (منتصف حزيران/ يونيو 2007) نتيجة كونها لا زالت في بدايتها وان كل طرف اكتفي بعرض مقترحاته من دون الدخول في التفاصيل والجزئيات التي عادة ما تصاحبها الخلافات، وعلي نقيض الاجواء التحضيرية والتصريحات الاعلامية التي سبقت اجراء المفاوضات الاخيرة والتي كانت مليئة ايضا بـ التفاؤل والتعبير عن الاستعداد للتفاوض بحسن نية، فان هذه المفاوضات اتسمت بالتوتر والتشدّد والجمود وتبني مواقف راديكالية واحادية، ولا سيما من طرف المغرب الذي لا يريد مناقشة اي حل عدا مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية ويعتبره اقصي ما يمكن التفاوض بشانه، كما يقول المغاربة المتفاوضون انفسهم!! الا يعد ذلك شرطا مسبقا يلغي باقي الخيارات الاخري التي تطرحها جبهة البوليزاريو علي طاولة التفاوض والحوار، ابرزها استفتاء تقرير المصير المؤدي الي الاستقلال الوطني؟ وتعتبر الجبهة ان طرح هذه الخيارات للنقاش ـ الي جانب الحكم الذاتي ـ يعد مدخلا اساسيا لحل النزاع حول الصحراء الغربية، لا سيما وان مجلس الامن الدولي اشار مرتين في ديباجته ومنطوقه (اللائحة 1754 ـ الاثنين 30 نيسان/ ابريل 2007) الي تقرير مصير شعب الصحراء الغربية وفق لوائح ومبادئ ميثاق الامم المتحدة، من حيث كونه ـ تقرير المصير المتضمن لخيار الاستقلال الوطني ـ هدفا محوريا للمفاوضات الجارية.. وكان شكيب بنموسي رئيس الوفد المغربي (وزير الداخلية) دعا الوفد الصحراوي الي الاستسلام تحت مسمي سلام الشجعان لا غالب فيه ولا مغلوب، كما وصف موقف البوليزاريو بـ المتصلب متهما جبهة البوليزاريو بالاصرار علي خطط واقتراحات تَبين انها غير قابلة للتطبيق في اشارة الي تقرير المصير الذي تطالب به البوليزاريو (الكلام للوزير المغربي)، لكن بالمقابل اكد الوفد الصحراوي علي لسان احد اعضائه، وهو البشير الصغير (مستشار زعيم جبهة البوليزاريو) ان المغاربة يخضعون لتعليمات صارمة ويكرّرون نفس الخطاب ولا يريدون التطرق الي المواضيع والملفات الاخري كالمسائل المتعلقة باللاجئين والمعتقلين الصحراويين والثروات الطبيعية واستغلالها والتنقل الحر للاشخاص ..وتظل النقطة الايجابية الوحيدة المميزة لهذه المفاوضات، هي المبادرة المحمودة التي اقترحها الوسيط الاممي بيتر فان والسوم والمتمثلة في جملة من الاجراءات والتدابير الانسانية الكفيلة بزرع اجواء الثقة بين الوفدين المتفاوضين ولتحسين معيشة الصحراويين، وقد ضمت هذه المبادرة: تنسيق العمل في مجال ازالة ونزع الالغام، تشكيل لجنة عسكرية مشتركة بين المغاربة والصحراويين مهمتها السهر علي مراقبة وقف اطلاق النار، توسيع التدابير الخاصة بالزيارات العائلية وزيادة عددها، تبادل الزيارات الرسمية بين الطرفين وتنظيم رحلات حج مشتركة بين صحراويي الضفتين. غير ان تعنّت الطرف المغربي ـ حسبما صرّح به محمد خداد عضو الوفد الصحراوي المشارك في المفاوضات ومنسق جبهة البوليزاريو مع الامم المتحدة ـ حال دون قبول هذه المقترحات التي اعتبرتها جبهة البوليزاريو مبادرة انسانية خلاقة من شانها التخفيف من معاناة الصحراويين والمساعدة علي تقريب وجهات نظر الوفدين المتفاوضين .. وفي قراءة اولية للمعطيات القبلية المحصل عليها من هذه المفاوضات، تبرز علي السطح ثلاثة تساؤلات هي:التساؤل الاول:ما الذي كان يعنيه بالضبط المحفوظ علي بيبا (رئيس الوفد الصحراوي) بعبارة المفيدة في تعليقه علي مفاوضات الجولة الثانية، مدعما ذلك بتصريح مرقون وزّع علي الصحافة؟ هل كان يعني:ـ الاحساس بقوة المقترح الذي تقدمت به جبهة البوليزاريو والمتضمن للعديد من ضمانات ما بعد استفتاء تقرير المصير التي استحسنها المجتمع الدولي، والمتصلة بحالة وحقوق المغاربة القاطنين بالاقليم والتعاون في كل القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والامنية..وغيرها. علما ان من ابرز الامور التي تمحورت حولها نقاشات اليوم الاول لهذه المباحثات ـ الثانية ـ هي قضايا الموارد الطبيعية بالصحراء الغربية وعرض النظام الانتخابي لدي كل من الطرفين ..ـ حدوث ارتباك ما لدي الوفد المغربي، لا سيما وانه كشف الاوراق التي يلعبها علي مائدة المباحثات منذ البداية، مع العلم ان التفاوض قد يستلزم جولات كثيرة تتطلب نَفَسا ـ بفتح الفاء ـ طويلا لكسب الرهان..ـ الوعي الصحراوي المسبق بحجم المسافة الفاصلة بين المنطلقات والمآلات وما يتطلبه ذلك من اساليب الاقناع والمحاججة والاستدلال ومقارعة الراي بالراي والدليل بالدليل..لعل في الامر سرّ ما يعرفه علي بيبا ورفاقه؟التساؤل الثاني:ورد في كلمة رئيس الوفد المغربي شكيب بنموسي تعبير سلام الشجعان ، عندما قال: بان مبادرة الحكم الذاتي هي الطريق الصائب نحو سلام الشجعان، لانها تمثل منطلقا حقيقيا للحوار والتفاوض بغية ايجاد ارضية للتوافق .فتعبير سلام الشجعان ـ Paix des braves ينسب الي الجنرال ديغول الذي استعمله لاول مرة حين دعا الي تسوية مع جبهة التحرير الوطني لوضع حد لحرب الجزائر (1954 ـ 1964). ومن ثم، اضحي تعبيرا سياسيا مالوفا استعمل في مباحثات اوسلو التي اجراها الفلسطينيون مع الاسرائيليين عام 1993، مثلما استعمل خلال الازمة السودانية..وغير ذلك كثير.ولا شك ان هذا التعبير الجديد/ القديم في خطاب التفاوض، يبرز دور الفكر (الفكر الخلاق) في تسوية النزاعات، لكن شريطة توفر الارادة الحقيقية والاستعداد التام لدي كل الاطراف المتفاوضة لبلوغ نقطة الاتفاق، الي جانب التوفر علي الشجاعة السياسية التي هي رديف القرار السياسي السديد، اي القرار التاريخي والموضوعي والمنصف والديموقراطي..ولامتلاك الشجاعة السياسية، لا بد من توفر الشجاعة نفسها التي تقود الي مراجعة المواقف بحكمة وتبصر واستقامة. فالشجاعة او المروءة، كما عرَّفها اللغويون، تعني: شدّة القلب في البأس. ورجل شَجاع وشِجاع وشُجاع واشجع وشجيع وشَجعة من قوم شِجاع وشُجاع وشجعاء. والاشجع من الرجال: مثل الشجاع، ويقال للذي فيه خفة كالهَوَج لقوّته، ويسمي به الاسد.وقد ميّز الفلاسفة وعلماء الاخلاق بين انواع الشجاعة، فتحدثوا عن الشجاعة العسكرية كالبسالة في المعركة والاقدام علي الحرب دون خوف او رهبة وعن قناعة تامة بحتمية النصر..والشجاعة السياسية في اتخاذ القرارات المصيرية الحاسمة، والشجاعة الاخلاقية كقول كلمة الحق من دون خوف او تردد..فضلا عن صنوف اخري كالشجاعة النفسية في مواجهة المرض والازمات والانواء والشجاعة الادبية والفكرية والاعلامية وغير ذلك. وفي شتي الحالات، فان الشجاعة تقتضي الجرأة، والجراة شرط المواجهة والاستعداد..فليس عيبا التنازل او التراجع عن موقف ما اتضح عدم جدواه، وليس عيبا كذلك مدّ يد الصفح والتسامح مع الآخرين والاعتذار لهم بعد انكشاف الاخطاء من اجل بناء مشروع مشترك، او تحقيق مصلحة متبادلة ذات نفع عام..فليعلم السيد شكيب بنموسي ان الكف عن ممارسة العنف واعتقال الصحراويين وقمع الراي المختلف ومصادرته، هي ايضا من اشكال الشجاعة السياسية. فينبغي القبول بمعارضة سياسية بالصحراء الغربية طالما انها سلمية لا تلجأ الي خطاب العنف والتدمير. كما ان الانصات الحقيقي لمطالب الصحراويين وازالة الفوارق الطبقية وارساء دعائم العدالة الاجتماعية بالاقليم والقضاء علي البغاء السياسي ـ Prostitution politique واستئصال جذوره ومعاقله (وهي كثيرة)، هي ايضا من انواع سلام الشجعان التي ينبغي طرحها علي طاولة التفاوض..سياسيا، لم يكن سلام الشجعان ممكنا في فرنسا الا عندما حرّرت كل اراضيها عام 1945 من الاحتلال النازي، ولم يكن الامر نفسه ممكنا الا عندما تحرّرت الجزائر بصفة تامة عام 1962 بعد 132 سنة من الاحتلال الفرنسي، مثلما لم يكن ممكنا في افريقيا الجنوبية سوي بعد ان تغير حكم البيض والقضاء علي الابارتايد..الخ. من هذه الزاوية بالضبط تفهم جبهة البوليزاريو سلام الشجعان وتقبل مناقشته.التساؤل الثالث:يري الكثير من المحللين السياسيين ان الهدف من نقل الجولة القادمة من المفاوضات المباشرة بين المغرب وجبهة البوليزاريو الي بلد اوروبي يعود الي الرغبة في التخفيف من الضغط الذي تمارسه بعض القوي السياسية الامريكية التي ابدت تعاطفا مع المقترح المغربي ووصفته بـ المرن ..لكن جبهة البوليزاريو نفت هذا التأويل مؤكدة ان المقترح الصحراوي يحظي بالتقدير والاهتمام لدي المجتمع الدولي، وان الوسيط الاممي بيتر فان والسوم هو نفسه من سيرعي المباحثات القادمة..وفي كل الحالات، يظل دخول الولايات المتحدة الامريكية خط النزاع حول الصحراء الغربية يتصل بتولي وزير خارجيتها الاسبق جيمس بيكر مهمة السكرتير الخاص للامين العام للامم المتحدة وقد اشتهر بمخطط التسوية الذي قدمه في نسخة اولي وثانية تعرف باسم مخطط السلام من اجل تقرير مصير شعب الصحراء الغربية ..فضلا عن كونه قاد واشرف علي اتفاقيات هيوستن بتاريخ 14 ايلول (سبتمبر) 1997..اضف الي ذلك الوساطة الانسانية التي قامت بها الادارة الامريكية بين المغرب وجبهة البوليزاريو من اجل اطلاق سراح اسري الحرب، وهو الامر الذي استجابت له الجبهة باطلاق آخر دفعة من اسري الحرب المغاربة لديها وعددهم 404 اسري. وقد ظلت الولايات المتحدة الامريكية حريصة في كل مواقفها علي عدم زعزعة استقرار المغرب في عهد الملك الحالي محمد السادس خصوصا بعد ان اظهر استمراره علي نهج والده الراحل الحسن الثاني، مثلما ظلت حريصة في نفس الوقت علي عدم اغضاب الجزائر، الامر الذي كان يتطلب من واشنطن نهج حل وسط ياخذ بعين الاعتبار وفي المقام الاول المصالح الامريكية في شمال افريقيا..فاذا كان الامين العام للامم المتحدة بان كي مون صرّح قبل شهور في لقاء مع قناة الجزيرة القطرية باستبعاد الوصول الي حل لازمة الصحراء الغربية خلال المستقبل القريب، وهو ما يفهم كذلك من تصريحات ميشيل مونتا كبيرة المتحدثين باسم الامم المتحدة حين قالت: اننا لا زلنا في بداية عمل شاق وطويل ، فلان المفاوضات بين المغرب وجبهة البوليزاريو قد تستغرق جولات كثيرة، لا سيما في ظل ظروف المناورة والتعنّت والتصلب والتشدد، وفي غياب مساحات تذكر لتقديم تنازلات، كما قال محللون سياسيون.فالتفاوض هو الفرصة الاخيرة لطي هذا النزاع التاريخي الذي طال امده، وهو الحل الامثل لتجنيب المنطقة تطاحنا عسكريا قد يتجدّد في اية لحظة..لذلك يستمد التفاوض حتميته من كونه المخرج الملائم والممكن استخدامه لمعالجة القضية التفاوضية والوصول الي حلول مقْنِعة ـ بتسكين القاف وكسر النون ـ لانهاء المشكلة المتنازع بشانها. فهو يشكل اداة حوار وآلية من اهم آليات حل المنازعات بالطرق السلمية (ميثاق الامم المتحدة/ الفصل السادس ـ المادة الثالثة والثلاثون)، مثلما يعد مخرجا نهائيا يقود الي الاستقرار وينهض علي الاقناع والاقتناع ويشترط التكيف السريع والمستمر مع المتغيرات المحيطة بالعملية التفاوضية.. وفي انتظار انعقاد الجولة القادمة (الثالثة) من المفاوضات المباشرة بين المملكة المغربية وجبهة البوليزاريو والمزمع اقامتها باوروبا قبل متم العام الجاري، يظل من الصعب التكهن بالسيناريوهات المحتملة التي قد تؤول اليها هذه المفاوضات لا سيما في ظل وجود بون شاسع وخلاف جوهري بين حلين متباعدين بُعد السماء عن الارض، هما: تمتيع اقليم الصحراء الغربية بحكم ذاتي تحت السيادة المغربية كما تقترح الرباط، واجراء استفتاء حر ونزيه وعام باشراف الامم المتحدة ويفضي الي الاستقلال الوطني وبناء الدولة الصحراوية كما تريد جبهة البوليزاريو

No comments:

Post a Comment